الاثنين، 22 أغسطس 2011

البكاء حيث لا مكان للبكاء

منظر متكرر جدا ..أم تنخرط فى البكاء يوم فرح الابن أو الابنة و إن كانت مع الابنة اشد

منظر نادر جدا..أب يبكى يوم فرح أبنائه

ما سر البكاء أثناء عناق الأم الأخير للابن أو الابنة يوم فرحهم؟

بالنسبة للأم؛ و لخبرتها السابقة فى الحياة؛ تكون مشفقة جدا على ابنتها لما ستواجهه من حياة جديدة، تحتاج لحكمة واسعة و صبر لا حدود له مهما وثقت و أملت خيرا في زوج ابنتها؛ لكنها طبيعة الحياة صراع، شد و جذب، خلاف ووفاق و شياطين الإنس و الجن يتناثرون هنا و هناك ، إن قلبها ينفطر قلقا على ابنتها الجميلة صغيرة السن و الخبرة، تلك العمياء التي لا ترى من الحياة سوى الجانب المشرق: بيت جديد، أشياء جديدة، الجميع يهنئونها كأنها ملكة مملكة خاصة بها هى أميرتها و صاحبة القصر و الكثير من الأوهام و الخيالات..إنما هى بداية حياة و ما أصعب البدايات، تستقبلها وحيدة مسئولة بعد ما كانت محمولة فوق الأعناق محفوظة في قاع عيون والديها.

لماذا تبكى الأم؟ هل إحساسا منها بالذنب تجاه ابنتها البلهاء التي لا تعلم، و أبت أن تعلمها حقيقة الدنيا الصعبة حتى تحتفظ لها بالمتبقي من لحظات السعادة الصافية قبل أن تزج بها فى أمواج الحياة الجديدة و التى لا تكون هادئة في معظم الأحوال.

هل تبكى لأنها تلقى بابنتها فى اليم؟ ابنتها التى تلقفتها وليدة بين يديها بوجهها الصغير و حاجبيها الرفيعتين و عينيها المغلقتين- و اللتين لا تزالان مغلقتين حتى و هى تكحلهما و تفتحهما لتبدو أجمل العرائس و أوسعهن عينا و مع ذلك لا تبصر و لا ترى ما وراء الأحداث- ..الحمد لله أن معرفة الغيب ملك لله وحده و إلا لم يأخذ أحد أبدا قرارا فى تلك الحياة

"و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت لنفسي من الخير و ما مسني السوء"

إنها تورثها نفس الثوب . الذي ألبسته لها أمها منذ سنوات بعيدة، و الذي ألبسته الجدة لأمها منذ نصف قرن....ثوب التضحية فى أحسن الظروف و المهانة و الحزن في أسوأها

ها هن النساء؛ قليلات العقل و الحيلة، عاليات الصوت كثيرات الكلام و النميمة، قاصرات فى معظم الأوقات عن إدراك الحكمة و تحديد الهدف و معرفة الدروس المستفادة...

بكاء الأم عند زواج ابنها يختلف كثيرا..إنها سعيدة من داخلها لأن امرأة أخرى ستتولى خدمة ابنها و رعايته، و تتولى عنها مسئولية تجميع ملابسه من أنحاء البيت و إصلاح النظام الذي أفسده بهوجائيته و لا مبالاته، و تتولى القلق عليه عندما يسهر خارج المنزل و لا يكلف نفسه الاتصال، تتولى علاج مشاكله المالية و تولى حساباته الجهنمية و مشاريعه الغريبة، و أخيرا تتحمل ثوراته و غضبه و صوته العالي خاصة عندما يعجز عن حل مشكلات الحياة أو يتعرض لضغط العمل أو تعنيف رئيسه ثم يفرغ طاقة غضبه فى المنزل بمن فيه و أولهم تلك الأم.,,إذن فعلام تبكى؟ لأنها لن تضمن أن تجد من يقوم بتوصلها و يقضى عنها الإداريات و مصالحها ، لأنها افتقدت وجودا، سواء كان الوجود مفيدا أم لا؛ لكنه وجود اى حماية و سند حتى و لو إحساس فقط.

تبكى لأنها تتذكر المثل القائل "ربيتى يا خايبة للغايبة" و هو مثل فاشل جدا لأنه عكس الحقيقة؛ فإن كانت أحسنت تربيته و عودته البر بها و بوالده ؛ فسوف يكون طوعا لها وقت أن تحتاجه و لن يتخلى عنها، بل على العكس سوف تأخذ مميزاته من العطف و الرحمة بها، و تترك عيوبه لتتحملها زوجته، فأيهما الخائبة!

أما الأب فبكاؤه – إن فعل – من باب التأثر اللحظي جدا لفراق أبنائه، الذين كانوا يخففون من حدة الجفاء و يكسرون صمت المنزل و الملل الساكن بين جنباته، و ربما كانوا يفكون الاشتباكات بينه و بين زوجته ، ربما يكون قلقا بشأن ذهاب ما كان يشغل زوجته عنه ، فهي الآن متفرغة له تماما بجميع ألوان الصداع و المشاكل التافهة !