كان عنوان مشكلة بريد الجمعة هو "بلا مقابل"....
http://www.ahram.org.eg/Friday-mail/News/127403.aspx
من قبل أن أقرأ تفاصيل المشكلة علمت أن صاحبتها امرأة و ليس رجل و متزوجة و أم بالتأكيد، و صدق تخميني، أكملت لأجد أسلوبا صادقا أشبه بأسلوب سيناريست يعتمد على المشاهد، فقد لجأت لعدة مشاهد مؤثرة جدا:
1- مشهد و هي تنظف الخضار و تقرأ ورقة من الجريدة مهملة تلقى عليها بالخضار أثناء تنظيفه، و رغم انشغال يديها إلا أن عقلها لم يتوقف عن التفكير في حالها و الدنيا من حولها...فربة البيت ليست يدا عاملة فقط بل عقل متحرك يسعى لمعرفة الحقيقة و رؤية العالم.
2- مشهدها و هى ترتب الملابس النظيفة بعد غسلها و زوجها يسألها لماذا لم تطلب ملابس جديدة بدلا من تلك التي استهلكت و مزقها الدهر و أبلاها، و هي لا تزال تحمل خجل البنت التي تستحي أن تطلب من والدها شيئا كما أدبها أبواها و علماها أن تأخذ ما يقدم لها دون أن تطلب.
3- مشهد و هي تستأذنه أن يسمح لها بالعمل و هو يرفض بمكر و يدعى أن فى ذلك صيانة لها من البهدلة في المواصلات و العمل على حد قوله ، لكنه لم يعوضها عن ذلك، ثم اكتشافها التمييز و التفرقة عندما قارنت بين موقفه تجاهها و و موقف أخواته و زوجات أخيه من العمل.
4- في عيد الأم و أحد أبنائها يقدم لها أموالا من مصروفه لتشترى هدية لوالدتها، حيث أنها - الأم الكبيرة العظيمة- ليس لها مصروف و مال خاص (حتى لو قليل جدا) تنفقه حيث تشاء!
5- و هي تجلس على الأرض تقص أظافر زوجها - بأمر منه – أمام أهله إمعانا منه في إذلالها.
6- في الطريق يستفزها زوجها بكلمة من كلماته القبيحة المنفرة، لكنها تكبت الغضب و تبلع الموقف حتى لا يتفرج عليها الناس.
7- عيديتها تأخذها منذ ثلاث سنوات فقط - و هي لديها الآن أبناء في الكلية - أي أن زوجها تنبه لإعطائها عيديه كالتي يعطونها للأطفال و هي تبلغ من العمر خمسين أو خمس و أربعين عاما.
8- طموحها عندما تفوز بحقها في مصروف شهري؛ فهي تريد أن تجدد مطبخها، أي أنها ما تزال تدور في فلك الطبخ و عمل الطعام، فهو عالمها الأوحد الذي لا تعرف غيره لأن زوجها أغلق عليها منافذ العلم و النور.
9- مشهده و هو يجادلها في مصروف البيت و يحاسبها عليه بالمليم و السحتوت.
نحن أمام نموذج من الأزواج لم يتق الله في معاملة زوجته بشكل كريم و لم يفكر أبدا في شعورها
و لولا أنها فضلت الصمت و تحمل الإهانة و الرضا بأقل القليل لكانت ابتليت أيضا بعقوق أبنائها و اجترائهم عليها
فهي صمتت لاتقاء شره و لإسكات لسانه عن مزيد من الإهانات و التعنيف لها، فلو اعترضت لأهانها أكثر و لتعلم الأولاد أن إهانة الأم مباحة ، و لتحدث عن عيوبها بشكل علني فالتقطها الأبناء ليستغلوها في عصيان الأم و الاستهانة بها!
خسرت الكثير من الماديات و المكانة الاجتماعية أمام الناس و داخل نفسها، لكنها كسبت رضا الله و بر أبنائها و تعاطفهم معها و رغبتهم الدفينة في تعويضها و مساعدتها.
المطلوب الآن من كل المحاميات و الداعيات و المفكرات استنباط قانون رسمي عند الزواج يكفل للزوجة الآتي:
1- عدم حرمانها من حقها فى التعليم
2- توفير مصروف شهري لها فى حالة عدم عملها
3- قانون يحرم سب الزوجة خاصة السب العلني و يجرمه و يعتبرها جنحة مثل إهانة موظف عام في مكان عمله
4- حقها في مال مقابل الخدمات الإضافية حتى لو كانت بيولوجية مثل حق الإرضاع أو خدمة تعليمية حق شرح الدروس أو توصيل المدارس ، خياطة الملابس و غزل الصوف، و غيره من الخدمات الإضافية، و يمكن استثناء عمل الطعام اليومي من هذا.
و في هذا تشجيع لها على أداء الخدمات الإضافية و ضمان لحقها و إشعار الزوج الأعمى بأفضال زوجته و مجهودها الإضافي.
5- إلزامه بزيارة أهلها فى مواعيد متقاربة و توصيلها إذا لم يرد المكوث لوقت طويل فى الزيارة
6- حقها فى لبس شتوي و صيفي و الحج حسب مقدرته
7- عدم حرمانها بالهوايات و الأعمال الاجتماعية خاصة بعد كبر الأبناء و اعتمادهم على نفسهم و لو يوم في الأسبوع.
8- فكرة جديدة عمل خط ساخن لهيئة معينة لحماية الأطفال و النساء من بطش الرجال ( "لجنة حماية ضعفاء الأسرة") لها سلطة مثل سلطة الأمن، بحيث تتعاقد معهم لقاء مبلغ معين على توصيلها لجنتها يوم الامتحان و حمايتها من إمساك الزوج لها أو منعها من النزول للامتحان أو التعرض لها بسوء.
9- للهيئة السابقة دور في الاتصال بها وقت حدوث أزمة كبرى و تعرض الزوجة للضرب أو الضرر على يد زوجها أو حبسها في البيت أي أنها هيئة أسرية لحماية الزوجة في المقام الأول و الأطفال.
هذه هي النقاط التي يمكن التحكم بها و إلزام الزوج بها , أما النقاط الأخرى المعنوية فيكمن تحسينها على المدى الطويل، فهي مسئولية الأمهات تعلمها لأبنائها الأولاد و تتلخص في:
- عدم التفرقة بين الولد و البنت في أعمال المنزل؛ فالكل يستهلك و الكل عليه أن يشارك في مجهود البيت.
- عدم تمييز الولد و إعطائه خصائص لكونه ولدا، باستثناء الفروق الطبيعية في الخروج و العمل ..
- عدم السماح للولد بتعلية الصوت و ووجوب احترام الأبوين فهو واجب على الاثنين الولد و البنت.
- تعويد الولد على اختصاص الآخرين بجزء من مدخراته فمثلا إذا كان الولد يعمل في الصيف تحثه الأم على أن يعطى أخته هدية أو مبلغ من وقت لآخر على سبيل تعليمه الكرم و سماحة نفسه.
- أن تزرع في نفسه أن الرجولة في المسئولية و العطاء و احترام الآخرين، و احترام كلمته و كل كلمة تصدر منه و ينطقها لسانه و البعد عن الألفاظ البذيئة.
- تعليمه أن الزواج مشاركة و ليس امتلاك خادمة و استئثار بها و بمجهودها و حياتها.
- بعد الزواج يجب على أم الزوج عدم التدخل بالشر، و توجيه الزوجة مباشرة بأسلوب عطوف غير مباشر فالأسلوب الهين اللين لا يأتي إلا بخير.
نحن في عصر لا يمكن الوثوق فيه بإنسانية الرجل و شهامته؛ لأننا في عصر الغدر و استغلال القوة و السلطة، و ما لم يكن المرء مربوطا بميثاق و شروط مكتوبة تقع عليه مسئولية الالتزام بها؛ فإن شيطانه يغلبه وقت الخطر و الشقاق، و تغلب عليه شقوته و نفسه الأمارة بالسوء فتملى عليه ما يروق لها؛ بصرف النظر عن مشاعر من هم تحت إمرته و تصرفه.
و مخالفة تلك النصيحة شديد الخطورة ليس على المرأة وحدها؛ بل الأبناء الذين هم أغلى ما في الأسرة و أساس كيانها و من بسببهم تستمر الحياة بين الزوجين في معظم الأحوال، فرؤية أمهم مستكينة مهضومة الحق متسولة لحقوقها و أقل منهم في المكانة الأسرية بالرغم من فضلها الذي أكد عليه القرآن و الحديث، يجعل منهم شخصية محطمة حزينة بلا مثل أعلى أو شعور بالأمان و السعادة، فهل هذا يرضى المجتمع؟ يرضى غرور الرجل المشرع فقط و لكنه يشجعه على الاستمرار في منظومة الحكم من طرف واحد حيث يقبل الجميع منه بلا مناقشة أو ديمقراطية، و لا يرون إلا بعينه و ليس لهم تعقيبا على قوله و أمره ، تلك هي المنظومة الفرعونية:
"قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد" سورة غافر 29
و كما يقول المثل: قالوا لفرعون من فرعنك؟ قال لهم لم أجد من يصدنى...