أسوأ المعارك هي المعارك الزوجية و الحروب النفسية بينهما، ذلك أن الضحية الأولى هي الأغلى لدي طرفي النزاع ؛ الأبناء الأبرياء هم أول الضحايا يليها الآباء الرحماء الذين يرون انهيار منازل أبنائهم الذين يتمنون لهم السعادة منذ ولادتهم.
و المعارك الزوجية ليس فيها فائز و لا خاسر، فكلاهما خاسر بجدارة، و الفصل بينهما شديد الصعوبة فكل ما كان بينهما مشتركا يتمزق فلا يصلح ليستخدم بعد ذلك، و أي ذكرى مادية مشتركة تسبب الحزن و الأسى عند النظر إليها، و المكان بائس قبيح إذ أصبح من الأطلال الصامتة بعد تألق و صخب، كل ركن يحمل بصمته أو بصمتها، ذلك الشيء اشترته في اليوم الفلاني، و تلك الهدية اشتراها لها في المناسبة الفلانية، و هذه الأشياء اشتراها معا بعد طول انتظار ، هكذا كل نظرة لمحتويات المكان تحمل ذكرى تثير الدمع و التنهيد.
من قال أن الأيام تنسى بعضها بعضا؟ نسيان الأيام قطع للزمن، للعمر، للحياة السابقة، فهل يقطع الإنسان صفحات حياته فيصبح كتابه فارغا أو معدود الورقات؟ هذه خدعة يقولها الشيطان لهما ليغريهما بالنزاع و الشقاق، و تغليب هوى النفس و جبروتها على المودة و الرحمة التي هي أساس علاقتهما معا.
و هي حرب قد تطول لسنوات ،و قد تستخدم فيها جميع الأسلحة و الأوراق السياسية بما فيها استغلال حب الأولاد و التعلق بهم ليكون عنصر ضغط لقبول ما لا يقبله الطرف الآخر.
إلى الزوج...
قصصت لأمك عن عيوب زوجتك..حسنا ارتاحت نفسك و هدأ بالك، و زالت الأحزان وقتيا عندما أكدت لك الوالدة الرحيمة أنك صواب و هي الخطأ ، أنك الملاك و هي إبليس اللعين المتمرد..عظيم ماذا ستفعل الآن؟ إياك أن تظن أنك انتصرت، إنما أنت كتبت شهادة رسوب في اختيارك لقرارك الأول بالزواج منها و بناء منزل بلا أساس، إياك أن تظن أنكما شيئين منفصلين، السخرية منها سخرية منك، و سبابها سباب لك و إهانة ضمنية لشخصك، فلا تسرف في الفرح و الانتقام، فلن يكون بعد هذا إلا الندم.
إلى الزوجة:
لك الحق في سريان دموعك أنهارا لكن هذا بيتك لا تغادريه بسهولة و لا تتركيه برغبتك، فالبعد يفسح المكان لحلول الغرباء و سكن الشياطين الذين يكرهونك ، و إحلال النفور و البغضاء بدلا من المودة و الرحمة، البعد لا يحل شيئا و لا يصلح ما فسد من أمركما.
"و اتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة" الطلاق 1
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا (1)
فهو بيتك بكلمة الله و شرعه، و الهروب ليس حلا، نعم بيت والدك أحب إليك و أكثر أمنا و دفئا ، و الوالدان هما الوحيدان الرحيمان بك و الحريصان على مصلحتك، لكن الحياة تقتضى منا الثبات و خوض الصعب و عدم الاستسلام، و مواجهة العدو بالسلاح لا إنابة الآخرين خاصة إذا كانوا كبار السن أو مرضى، فهم لا يتحملون المشاكل و الصراعات و الكلام العقيم الكثير، و هم قد أدوا دورهم كما ينبغي، و لا يصح أن نقدم لهم إلا الأخبار السارة و المعونة، لا تحميلهم بأعباء إضافية تزيد ألمهم و مرضهم.
و لا مانع من الاستعانة بأخ لك عاقل فهو الأقرب سنا من زوجك و الأقدر على فهم مشاكلكما التي قد تكون في الأصل تافهة صغيرة لكنها تكبر مع الوقت و العند و شد الأعصاب، و ربما استطاع إقناعه بوجهة نظرك و تقديم حلول وسطية تنهى الأزمة بدون تصعيد لها و إدخال أطراف أخرى كبيرة ضررها أكثر من نفعها.
إلى أم الزوج:
لو أن الحماة تعقلت و اتخذت الجانب المحايد أو العاقل؛ لما سمحت لابنها بالاسترسال و التمادي في الحكي و الشكوى ، و لأوقفته – بشدة - عما يفعله بقوته المزعومة، و تحبط خططه الخبيثة للنيل من زوجته أو الانتقام منها، فلتعتبره زوج ابنتها يتحدث إليها؛ هل ستكون مسرورة بحديثه هذا ؟ هل ستقبل بما يكيده لابنتها أم ستنهال عليه بالمطارق و تصب عليها الغضب و الزفرات؟..
إلى أخوات الزوج:
لا تنظروا إلى مصالحكم الوقتية، فخراب البيوت كبير عند الله ، و شديد على نفس أخيكم أولا ، إنكم لا تخدمونه أو تجاملونه بموافقته على ظلمه و تبرير أفعاله بشكل مستمر و مطلق، أين كلمة الحق لماذا هربت من أفواهكم؟ فلترضوا الله أولا؛ فهو أحق أن ترضوه بقول الحق و إصلاح ذات البين، من قال أن العائلة الواحدة تكون متماسكة بمناصرة الظالم إن كان منها؟ فالاتفاق على الباطل إنما هو فرقة خفية، و دعاء المظلوم طلقة تصيب الظالمين و تجعلهم أشتاتا، سوف يأتي اليوم الذي يكره فيه تشجيعكم له على الانتقام و كره زوجته و إفشاء عيوبها و قول الشر عنها، و لن يسامحكم أنكم أفسحتم له الطريق و لم تصدوه عن هدم ما تم بناؤه بعد جهاد و مشقة.
كل الكلام السابق ينطبق على أهل الزوجة مع اختلاف أن الزوج بيده القرار الأخير، و عليه وعظ الزوجة بالحسنى و الكلمة الطيبة، و إنقاذ البيت من تدخلات الغرباء و طرد شياطين الإنس و الجن، فالرجل الحق أكثر حلما و صبرا ، و لا ينجرف وراء شهوة الانتقام، و لا يستغل السلطة التي أعطاها الله له إلا في التوجيه للخير و ليس الإيذاء النفسي بالتخويف و التهديد أو الإيذاء المادي.