وأد البنات ذنب قاتل و جريمة بشعة؛ فهو جحود بنعمة الله ، هل يستقبل الإنسان عطية الله و منحته بالدفن؟ ما ذنب الأم التي ما زالت تعانى آلام الوضع و تقاسى ما بعد الولادة من وهن و ضعف؟ إنها تحتاج لوجه ابنتها لكي ينسيها الألم و الصراخ ، تحتاج لدفئها بين يديها و استكانتها بجوار قلبها ليطمئنا معا أن الحياة بخير... هذا القاسي؛ الأب الغليظ استند إلى قاعدة من صنعه ووهم بزعمه افتراء على الله و ما هي إلا عادة جاهلية توارثوها بجهل و ظلم، إذ يرون أن البنت همٌ على كاهل الأب لا يحتمل نفقاتها و لا يضمن أن يمنع السوء الذي قد يناله منها.
و بناء عليه؛ و بثقة شديدة يهم بالفأس لكي يحفر لها مهده الأخير، ليس مفروشا بالحرير و مغطى بالستائر المخملية؛ لكنه محاط بالرمل و مغطى بالتراب الساخن الذي تلفحه شمس الصحراء الملتهبة ، لتذوب و تتحلل و تصبح سرابا و تنتهي قبل أن تبدأ – و ذلك حتى حين – حتى تأتى يوم القيادة ليعيد الله إنشاءها و تستعيد بنيانها و تتحدث؛ ينطقها الله الذي أنطق كل شيء و كل موجود، لكي تجيب على السؤال الاستنكاري اللائم " وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)" سورة التكوير ، فهي خلق الله و هو وحده الذي له حق الحياة و الموت ، و ليس للأب مهما كانت سلطته أن يدفنها و ينهى حياتها هروبا من مسئوليتها و تخففا من حملها و نفقتها و تربيتها.
و الوأد ليس وأد حياة فقط، ففي عصرنا الحالي انتهت تلك العادة القبلية البائدة القبيحة تماما، لكن ليس معنى هذا نهاية فكرة الوأد و السلطة و التحكم ، فهي تجرى في دم بعض الرجال منذ قديم الأزل مادام متحكما مسيطرا و فاهما لهذه السلطة على النحو الخاطئ الذي يريده و يتمناه فالسلطة مسئولية قبل أن تكون أوامر ، و إن كانت وجبت طاعته فحق عليه أن يعلم أن يعلم أنه مسئول أمام الله عن قراراته التي تطاع و تنفذ حتى لو اعترض عليها المأمور بها.
و النوع الخفي من الوأد هو وأد العلم و أسباب الحياة في المرأة سواء كانت زوجة أو ابنه، فحرمان المرأة من التعليم أيا كان و في أي وقت من عمرها إن كانت ترغب في ذلك رغبة شديدة هو وأد لأسباب سعادتها و سر و دوافع حياتها، فالأمومة جميلة و طبيعي أن المرأة بمجرد أن تصبح أما تنسى أحلامها مؤقتا أو بشكل أصوب تؤجلها لكنها لا تزال تنبض بداخلها، فما بنته في سنين لا يقذف من الشباك في ثانية ،
و تطبيقا لمبدأ الأهم فالمهم؛ تنشغل الأم بأولادها بشكل متدرج على طريقة الهرم المقلوب، أي أنها في البداية و عقب ولادتهم تعطيهم وقتها كاملا؛ ثم يقل تدريجيا ليكون نصف الوقت أو ثلاث أرباعه عندما يشتد عودهم و يعتمدون جزئيا على أنفسهم، و مع تقدم السنين تجد بعض الساعات يوميا لتستعيد فيها أحلامها و ما اختزنته بداخلها منذ زمن، لكن بعقل جديد و فكر أنضج و أسرع فهما و أكثر مرونة عن ذي قبل.
و الوقوف في وجه المرأة لشل إرادتها في التعلم و منعها من ممارسة هوايتها – حتى لو لم يقتنع بها الزوج – طالما لا تغضب الله هو نوع من العصبية القبلية ، و تنطوي على حقد دفين و رغبة فى عدم علوها أو اعتزازها بنفسها و تقديمها خيرا لنفسها و لأولادها، و للمجتمع بلا شك خاصة إن كانت ماهرة في مجالها و متميزة فيه.
لماذا نوأد المرأة و نقتل روحها؟ هل لأنها رضيت بالتوقيع على عقد الزوجية؟ هل هو امتداد لسلسلة وأد البنات و هن صغيرات؟ لكنه أصعب ..هل تصدقون ؟ نعم إذا وأدت البنت و هي صغيرة لم تشعر و لم تع شيئا ؛ ستنتقل لله و تشتكى إليه ، أما الموؤدة فكريا فهي تعيش تخدم و تقدم و تتحمل ، و عندما يحين الوقت الذي تريد فيه أن تشعر بنجاحها و تسعد به، و تتنفس ما تحب و تمارس ما أتقنت من عمل بحرية محدودة؛ منعوها بشتى الحجج و قاوموها و حرموها حرمانا كليا.
قتلوا تلك الروح بداخلها لتتألم و تندم على كل شيء، لكنها فى كل وقت ليس لها إلا الله لتشتكى اليه ، و تردد تلك الآية الكريمة ، فتهدأ نفسها الثائرة، لأنه لا يضيع حق وكَل صاحبه إلى الله أمر استرداده، و كل شيء عند الله بمقدار.
لم تكن المرأة يوما مرحلة انتقالية في دورة الحياة، فهي لم تتعلم لكي تعلم جيلا آخر فقط؛ بل لكي تستفيد منه و تجدد فيه و تنهض بالمجتمع، تلك هي الصورة الحقيقية للمرأة التي أرادها الإسلام لها.
لم يمنع الإسلام المرأة من أن تدرس في بيتها ما تشاء من العلم النافع ، و حث نساء النبي على تذكر القرآن و الحكمة "و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة" ، و دراسة الحكمة تنطوي على تدبر عميق و اجتهاد لفهم المعاني، ليكون لهن الجزاء الأكبر من الله فمن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا.
و العلم باب واسع من أبواب الرحمة و الرزق لا يستطيع أحد منعه أو إرساله لأحد إلا بإذن الله..
"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، و ما يمسك فلا مرسل له من بعده"
"و قل رب زدنى علما"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق